من تاريخنا الرومي

by Rodrigue Khoury
إذا أردت أن تتغلب على شعب نسه تاريخه

الحلقة الاولى: سقوط المشرق بيد العرب      

 الحلقة الأولى :(حوالي تشرين الثاني 633)  أرسل خليفة المسلمين أبو بكر الصديق جيشاً بقيادة خالد بن سعيد لاحتلال ولاية المشرق من بلاد الروم (التي تشمل لبنان وسوريا وفلسطين والأردن) .وصل هذا الجيش إلى مرج الصفر...فاشتبك مع الروم الذين أبدوا مقاومة شرسة في الدفاع عن بلادهم فخاب ظنه وطلب النجدة من المدينة المنورة (السعودية اليوم)، فأتته نجدة بقيادة عكرمة بن أبي جهل وما أن وصلت إلى حدود المشرق حتى نزل الروم إليهم وأبادوهم... فطلب نجدة أخرى من المدينة المنورة فأتاه الوليد بن عقبة مع فرقة كبيرة... فبدد الروم شملهم وأوقعوا بهم شر هزيمة وعاد العرب أدراجهم إلى بلادهم خائبين حاقدين (إلى السعودية واليمن) ... وقرروا تجريد خالد من عسكره ... وبدأوا يفكرون بخطة أخرى ...(يتبع...)



الحلقة الثانية: العرب يعدون العدة


بعدما دافع الروم عن بلادهم (أي ولاية المشرق وعاصمتها إنطاكية) في معركة مرج الصفر،فر العرب هاربين عائدين إلى بلادهم(المدينة المنورة ومكة) ، فعزلوا خالد بن سعيد وأرسلوا 4 جيوش لاحتلال بلاد الشام والانتقام من الروم. فاجتمعوا في المدينة المنورة (في السعودية اليوم حيث كان مقرهم) وأرسلوا : جيشاً بقيادة عمرو بن العاص لاحتلال فلسطين ومصر, وجيش...اً بقيادة شرحبيل بن حسنة باتجاه الأردن. وجيشاً بقيادة يزيد بن أبي سفيان لاحتلال دمشق. وجيشاً بقيادة أبي عبيدة بن الجراح باتجاه حمص. وتولى فيما بعد قيادة الجيوش خالد بن الوليد. هدفهم السيطرة على ولاية المشرق الرومية بسبب غناها وثرواتها ...أما الروم في الداخل فكانوا يتشاورون مع امبراطورهم الذي أتى من القسطنطينية إلى سوريا لينظر مع رعيته الرومية كيف يواجهون غزوات العرب ... - كانون الثاني 634 ، الروم في فلسطين الجنوبية يتفاجأون بغارة عليهم فيركضون للدفاع...(يتبع...)

كيف احتل العرب المشرق من الروم؟


الحلقة الثالثة : فلسطين الجنوبية تسقط: 4 شباط 634 :

بعدما تفاجأ أجدادنا الروم بهجوم من الجيش العربي على فلسطين تداعوا للدفاع ... فهاجمت قوات يزيد "تبوك وأسقطتها" ... ثم سارت القوات العربية تحرق وتنهب التلال المشرفة على وادي العربه جنوبي البحر الميت... هنا تصدى جيش من الروم للقوة العربية الغازية التي كانت ضخمة ، بقيادة سرجيوس حاكم قيصرية فلسطين على رأس 300 عنصر من الروم فقط ... لكن العرب قاتلوا بشراسة فتراجع سرجيوس وجيش الروم إلى غزة ... فداهمهم من هناك جيش عربي أخر وقتلهم بحد السيف ... واستشهد سرجيوس في المعركة دفاعاً عن الهوية الرومية لفلسطين... وهرب روم جنوب فلسطين بعيالهم وأطفالهم إلى مدن أخرى من سوريا كانت لا تزال آمنة تحت حكم الروم.... ليقعوا هناك تحت هجوم عربي آخر....(يتبع...)

 
الحلقة الرابعة: من احتلال العرب للمشرق : سقوط حوران وبصرى


لاحظ خالد بن الوليد عبر الجواسيس التي أرسلها أن قوات الروم تمركزت في 7 مناطق بالشام: في جنوب الشام: جيش كبير في دمشق، وجيش في بصرى، وجيش في جلق ( شمال فلسطين ) وتوجد أربع جيوش شمالية أخرى في: حلب، و في حمص، و في أنطاكية، و في بعلبك. دخل خالد بن الوليد عبر بادية الشام. فاصطدم بقبيلة الغساسنة(وهي مسيحية على بدعة اليعاقبة) في مرج را...هط التي قاتلته فانتصر عليها انتصاراً كاسحاً وسبى المسلمون من أهلها سبياً كثيراً ...وفاوضهم المسلمون فيما بعد ، واعتنقوا الإسلام.... انتقل جيش العرب إلى بصرى ،وما أن علم جيش الروم في بصرى بتجمع الجيوش الإسلامية ( نحو 33 ألف مجاهد عربي )، خرج الروم برجالهم وجيوشهم مباشرة لقتال خالد ومن معه...واستمر القتال على أشده حتى ظن الفريقان أن صبرهما قد نفد... فأمر خالد فرقتي المؤخرة المتأخرتين، فهجمتا من بعيد ثم انقضتا على جيش الروم من خلفه، فكانت هزيمة موجعة لجيش الروم، وقتل العرب من الروم جماهير غفيرة وجنوداً كثيرين. وهرب من بقي من الروم إلى داخل حصن بُصرى، و أعلنوا الاستسلام. فقام خالد بن الوليد بجمع غنائم الحرب التي خلَّفها الروم خارج الحصن... وخير العرب روم بصرى بين دفع الجزية أوالإسلام... فمنهم من أسلم ... ومنهم من دفع الجزية ... وهكذا وقعت منطقة درعا وبصرى وحوران تحت سيطرة العرب ... أما الروم من السكان الأصليين لهذه المناطق فمنهم من قتل ومنهم من هرب إلى المدن التي بقيت حرة (مثل دمشق والقدس وبعلبك وبيروت وحلب وغيرها) ، ومن بقي في المدينة استسلم ودفع الجزية ... فجمع الروم قوتين كبيرتين جداً في أجنادين وفي اليرموك استعداداً لمعركة حاسمة يطردون بها هذه القبائل العربية الغازية التي تروع أهل الشام... (يتبع)

 الحلقة الخامسة: احتلال العرب للمشرق: معركة أجنادين ، إبادة لجيش الروم

30) تموز 634)... كانت معركة اجنادين أول لقاء كبير بين جيوش العرب والروم البيزنطيين في حرب احتلال العرب لولاية الشرق من بلاد الروم. وجرت قبل حوالي سنتين من اللقاء الفاصل والحاسم في معركة اليرموك عام 636 ميلادي. بعد سقوط بُصرى استنفر هرقل قواته، وأدرك أن الأمر جدي، وأن مستقبل الروم في المشرق بات في خطر ما لم يواجه العرب المسل...مين بكل ما يملك من قوة ، فحشد العديد من القوات الضخمة، وبعث بها إلى بصرى حيث شرحبيل بن حسنة في قواته المحدودة، وفي الوقت نفسه جهّز جيشًا ضخمًا، ووجّهه إلى أجنادين من جنوب فلسطين. وحمل الروم صلبانهم وأقسموا على أن يدافعوا عن بلادهم ، فإما أن يموتوا جميعاً وإما أن يطردوا العرب الغزاة من المشرق. تجمعت الجيوش الإسلامية مرة أخرى عند أجنادين، وهي موضع يبعد عن "بيت جبرين" بحوالي أحد عشر كيلو مترًا، وعن الرملة حوالي تسع وثلاثين كيلو متراً. نظم خالد بن الوليد جيشه البالغ نحو 40 ألف جندي . فهذه أول مرة تجتمع جيوش المسلمين في الشام في معركة كبرى مع الروم الذين استعدوا للقاء بجيش كبير بلغ 90 ألف جندي. وبعد صلاة الفجر من يوم ( 30 تموز 634م) أمر خالد جنوده بالتقدم حتى يقتربوا من جيش الروم، وأقبل على جموع جيشه يقول لهم: " اتقوا الله عباد الله، قاتلوا في الله من كفر بالله ولا تنكصوا على أعقابكم، ولا تهنوا من عدوكم، ولكن أقدموا كإقدام الأسد". وفي هذه المعركة انتصر المسلمون انتصاراً كبيراً ، وبرز في هذا اليوم من العرب المسلمين "ضرار بن الأزور"، وكان يومًا مشهودًا له، وبلغ جملة ما قتله من فرسان الروم ثلاثين فارسًا، وقتلت "أم حكيم" الصحابية أربعة من الروم بعمود خيمتها. وبلغ شهداء الروم في هذه المعركة أعدادًا هائلة تجاوزت الآلاف، وقتل من المسلمين 450 قتيلاً. . وبعد أن انقشع غبار المعركة وتحقق العرب من النصر، بعث خالد بن الوليد برسالة إلى الخليفة أبي بكر الصديق يبشره بالنصر وما أفاء الله عليهم من الظفر والغنيمة، وجاء فيها: ".. أما بعد ،فإني أخبرك أيها الصديق إنا التقينا نحن والمشركين، وقد جمعوا لنا جموعا جمة كثيرة بأجنادين، وقد رفعوا صلبانهم، ونشروا كتبهم، وتقاسموا بالله لا يفرون حتى يفنوا أو يخرجونا من بلادهم، فخرجنا إليهم واثقين بالله متوكلين على الله، فطاعناهم بالرماح، ثم صرنا إلى السيوف، فقارعناهم في كل فج.. فأحمد الله على إعزاز دينه وإذلال عدوه وحسن الصنيع لأوليائه"؛ فلما قرأ أبو بكر الرسالة فرح بها، وقال: "الحمد لله الذي نصر المسلمين، وأقر عيني بذلك".... أما أجدادنا الروم المشرقيون فقد بدأوا يعدون العدة للنظر في كيفية محاربة العرب من داخل المدن ، فبدأوا يحصنون مدنهم جيداً ( دمشق وحلب وأنطاكية والقدس وبيروت وطرابلس وغيرها) ... استعداداً لمعارك قادمة وأليمة .... (يتبع

 الحلقة السادسة : احتلال العرب للمشرق ، - خيانة "السريان والعرب اليعاقبة" للروم


وحصار دمشق : كان الامبراطور هيراكليوس في حمص لما عرف بخبر هزيمة الروم في أجنادين ، فحزن حزناً شديداً ، وانتقل إلى "أنطاكية" عاصمة المشرق. ونتيجة لهذه الهزيمة أصبحت فلسطين كلها عرضة لهجمات العرب. وبدأت تسقط المدن الرومية الكبرى أمامهم تباعاً ، فسقطت المدن الفلسطينية بأيديهم ، وبقيت "القدس" و"قيصرية" تقاومان ... ثم سق...طت "صور" بأيدي العرب. خيانة اليعاقبة : بعد أجنادين توجه العرب إلى "فحل" في الأردن ، فاجتمع فيها "السريان والعرب " من البدعة اليعقوبية ، مع جنود العرب المسلمين... وهؤلاء يسميهم العرب في مراجعهم "رافضة الروم" ... أي الذين ليسوا على مذهب الروم ... وهؤلاء خانوا الروم وقاتلوهم ... فسقطت الأردن ودخلها المسلمون ... أما الروم الذين بقيوا فيها فاضطروا إلى الهروب إلى أماكن أخرى أو إلى دفع الجزية. بعد "فحل" انضمت "رافضة الروم" إلى خالد بن الوليد وجيوشه المسلمة قرب دمشق ... وضرب الحصار على دمشق... هرع روم المدينة إلى الكنائس يصلون ... وبعضهم وقف إلى جانب الجنود على أسوار المدينة استعداداً للدفاع... وبدأ العرب يرسلون التحذيرات والتهديدات إلى روم المدينة يطلبون منهم الاستسلام ... وقد أرسلوا هذه الرسائل عبر "ترجمان" لأن سكان المدينة كانوا يتكلمون اليونانية ولا يفهمون من العربية شيئاً ....وبدأت المؤن تقل في داخل المدينة... وبدأ الأساقفة والرهبان والشعب والوجهاء يعقدون اجتماعات مكثفة للتداول بالحلول.... (يتبع

الحلقة السابعة : احتلال العرب للمشرق: حصار دمشق وسقوطها

الحلقة السابعة : احتلال العرب للمشرق: حصار دمشق وسقوطها: بعد معركة أجنادين ومعركة فحل ، توجه العرب إلى حصار دمشق. ولما رأى سكان دمشق ثبات قادة المسلمين التفوا حول حاكمهم توماس.وأغلقوا أبواب مدينتهم ونصبوا الأسلحة والمدافع والمجانيق على أسوارها. قام توماس بهجوم على العرب عله يستطيع فك الحصار ، لكن الهجوم باء بالفشل وخسر الصليب الكبير الذي كان على مقدمة جيش الروم وأصيب بعينه إصابة بالغة. (موضع الهجوم هو الباب المعروف اليوم في دمشق بباب توما، والذي توجد فيه اليوم بطريركية الروم). بقي الحصار 6 أشهر متواصلة عانى فيها روم المدينة من عدم توفر المؤن والجوع ... وهرعوا إلى الكنائس يصلون ، والبعض وقف على أسوار المدينة إلى جانب الجيش الرومي تحسباً لهجوم العرب. طلب روم المدينة من الامبراطور هيراكليوس المقيم آنذاك في أنطاكية أن يمدهم بالعتاد والأسلحة والخيول. لكن هذه الإمدادات لم تصل. ظن الروم في دمشق أن العرب سيملون من الحصار وسيعودون إلى صحرائهم عندما يحين الشتاء. لكن الشتاء كاد ينقضي والعرب ثابتون في حصارهم، والإمداد لا يستطيع الوصول إلى داخل المدينة... الجهة الشرقية : خيانة ومذبحة كبرى: قام أحد كهنة السريان اليعاقبة يدعى يونس بن مرقس بإبلاغ خالد بن الوليد أنه من الممكن اختراق أسوار المدينة بمهاجمة موقع معين كانت دفاعات الروم فيه ضعيفة. وكان "توماس" هو قائد الحامية الرومية للمدينة، وخالد بن الوليد على رأس الجيش العربي الغازي من جهة الشرق وأبو عبيدة على رأس القوة العربية من جهة الغرب. بعد خيانة هذا الكاهن أرسل خالد بن الوليد مئة رجل من رجاله ودخلوا من حيث خرج الكاهن وقصدوا الباب الشرقي للمدينة وكسروا الأقفال وقطعوا السلاسل وفتحوا الباب. وعلى إثر ذلك انصب المسلمون من الخارج ودخلوا المدينة يذبحون وينهبون كل ما يصادفونه في طريقهم، ولم تنفع صرخات الاستغاثة التي أطلقتها النساء الروميات ... فحصلت مذبحة كبرى. الجهة الغربية: معاهدة صلح ودخول العرب: أما من الجهة الغربية فكان أبو عبيدة وجنوده يحاصرون دمشق. ويذكر أن جنود أبي عبيدة هاجموا الروم عندما كانوا في جنازة لأحد رجالهم هناك. ولما ساءت الظروف الصحية والاقتصادية من جراء الحصار ذهب قوم من الروم إلى حدود المدينة وصاروا ينادون المسلمين من على السور. وقرر توماس ووجهاء المدينة مفاوضة أبي عبيدة. وفتح الروم الباب الغربي وذهبوا إلى خيمة أبي عبيدة. وقد نزع الروم كل ما على صدورهم من الصلبان والعلامات الأخرى مراعاة للمسلمين. وهناك وقعوا معاهدة صلح.ودخل أبو عبيدة وجنوده من الجهة الغربية للمدينة بناء على المعاهدة التي وقعت مع وجهاء الروم في المدينة (وترك أبو عبيدة مئة شخص من الروم رهينة في خيمته). كاتدرائية القديس يوحنا السابق، تتحول جامعاً : التقى جيش خالد بن الوليد بجيش أبي عبيدة قرب كنيسة القديس يوحنا البيزنطية العظيمة. وكان أبو عبيدة يسير إلى جانبه جنوده وكهنة الروم بناء على الصلح الذي قضى بتسليم المدينة، فيما كان خالد يقاتل ويذبح الروم من جهته. فأشار أبو عبيدة إلى كتاب الصلح فغضب خالد وقال له:"وكيف صالحتهم بدون أمري وأنا الأمير عليك، والله لن أرفع السيف عنهم حتى أفنيهم عن آخرهم"...فيما بعد رضي خالد وتم الاتفاق على أن يتم تحويل الجزء الشرقي من الكنيسة إلى جامع للمسلمين لأن المسلمين احتلوه بالقوة، وأن يبقى الجزء الغربي كنيسة للروم. وهو الكنيسة التي تحولت فيما بعد إلى الجامع الأموي الكبير في دمشق. (وبقيت مقسومة بين الروم والمسلمين حتى عهد الوليد بن عبد الملك). .. ومن شروط المعاهدة : أن يدفع المسيحيون للمسلمين الجزية كي يسمح لهم المسلمون أن يبقوا في ديارهم ... وأن لا يبنوا كنائس جديدة ولا يرمموا القديم منها وألا يدقوا أجراسهم إلا ضرباً خفيفاً، وألا يسيروا في شعانينهم وفصحهم بزياحات في الشوارع ،وألا يمنعوا أحدا من أقاربهم إذا أراد الدخول في الإسلام ،وألا يقتنوا السلاح، وألا يشتموا مسلماً أو يضربوه..." ... وأصبحت هذه المعاهدة هي الأساس الذي بنى عليه المسلمون كل علاقاتهم مع الروم في البلاد التي احتلوها.... وبعدما سقطت دمشق ... توجه العرب إلى حصار بعلبك وحمص ... (يتبع

الحلقة الثامنة: احتلال العرب للمشرق: بعلبك (ايليوبوليس العظيمة) تسقط...

بعد احتلال دمشق ، توجه العرب إلى بعلبك، فحاصروها. وقبل أن يصل خالد وأبو عبيدة إلى بعلبك كان الامبراطور هيراكليوس قد أمر 20 ألفاً من رومها بالتوجه إلى "بيسان" لمساندة القوة الرومية التي حاصرها العرب هناك.

ووقف أهل بعلبك على أسوار المدينة حاملين سلاحهم للدفاع . وينقل المؤرخون عن أحد جنود العرب المشاركين في المعركة قوله :

"إن الروم كانوا كثراً كالجراد ، ولكثرتهم سقط بعضهم عن السور ... فذهبتُ إلى واحد من هؤلاء لأقطع عنقه... فأعلن استسلامه ... فأمنته، وسألته : كيف وقعتَ عن السور ؟ " ...فكلمني باللغة الرومية (اليونانية) ... فحملته إلى أبي عبيدة وجنوده، فأتى بترجمان.
فسأله لماذا يرمي بعضكم بعضاً؟ فقال:"إنني من أهل القرى ، ولما سمعنا بمجيئكم أيها العرب، أتينا من كل القرى والبلدات والتجأنا إلى هذه المدينة لنتحصن بها، فلما أتى الجنود أخذوا يدوسوننا فيدفعون بنا إليكم" ... فلما سمع أبو عبيدة بهذه الفوضى داخل المدينة قال:"أرجو من الله أن يجعلهم غنيمة لنا".
وأثناء الحصار يقول الواقدي: " إن أهل بعلبك افترقوا على سور المدينة ، وبدأوا يضربون على وجوههم ويصيحون "بلغتهم" ، فقال أبو عبيدة لبعض التراجمة:"ماذا يقول هؤلاء؟" فقال له الترجمان: "إنهم يقولون يا ويلهم ويا خراب ديارهم ويا فناء رجالهم ، حتى ظفرت العرب ببلادهم".
ثم أتى البطريق المسؤول عن بعلبك،محاطاً بالتراجمة وصالح أبا عبيدة وقرر تسليم المدينة على أن يبقى الروم فيها يدفعون الجزية والخراج للمسلمين ...
فلما علم السكان ما فعله البطريق لاموه ووبخوه بشدة قائلين "إذهب أنت وصالح عن نفسك، أما نحن فلن نصالح العرب أبداً ، ولن ندع أحداً منهم يملكنا ويدخل بلادنا و مدينتنا ".... فأبلغ الترجمان أبا عبيدة بذلك.
لكن البطريق عاد فأقنع السكان بالصلح. ووجه أبو عبيدة كتاب صلح لأهل بعلبك:" رومها وفرسها وعربها ... " فرض بموجبه "الجزية والخراج" على من أراد أن يبقى في هذه البلاد من "الروم" ... أما الذي يعتنق الإسلام منهم فقد أعفاه من هذه الضرائب.
العرب والفرس كانوا أقلية ضئيلة في بعلبك، وقد أسلموا ، والكثير من الروم الفقراء اضطروا إلى

اعتناق الإسلام ... ومن بقي من الروم على دينه، بقي في أرضه وقبل الشروط ...

وهرب الكثير من الروم البعلبكيين إلى العاصمة المالكة "القسطنطينية" ومن هؤلاء اللاجئين خرج "كالينيكوس البعلبكي الشهير الذي اخترع "النار اليونانية" وهي السلاح الذي أنقذ الامبراطورية البيزنطية من هجمات العرب لسنوات طويلة.

ولما انتهى العرب من أمر بعلبك ... انتقلوا إلى حمص وبدأوا حصارها...

الحلقة التاسعة : احتلال العرب للمشرق : حمص ، مدينة رومانوس المرنم ، تسقط ...(635)

بعد بعلبك توجه العرب إلى حمص. )emesa كما كان يسميها الروم. (635)

وقبل أن يقرر غزوها أرسل أبو عبيدة رسالة إلى أهلها بواسطة شخص من المعاهدين يعرف الرومية والعربية ، يخيرهم فيها بين الحرب أو الإسلام أو الصلح مع البقاء في أرضهم ودفع الجزية والخراج.
أخذ المعاهد الرسالة، وسار حتى وصل إلى السور ... فلما رآه أهل حمص بدأوا يرمونه بالسهام والحجارة ... فقال لهم باللغة الرومية (اليونانية) : اهدأوا ، أنا رجل معاهد وقد جئتكم برسالة من هؤلاء العرب... فحملوه وأتوا به إلى بطريقهم.
وكان أهل حمص يجتمعون داخل المدينة مع البطريق ويقولون:اصمدوا، فإنَّ المسلمين حفاة، فإذا أصابَـهُمُ البردُ تقطعت أقدامُهم، وليس لهم ما يأكلون ويشربون "... فأتى جواب البطريق "هربيس" غير مشجع على السلام.
فضرب العرب الحصار على المدينة، وسدوا كل منافذها.
وبينما كانت نجدة رومية تأتي إلى حمص ألقى العرب القبض عليها ومنعوها من الوصول. وبعد حصار دام أكثر من 18 ليلة ...
تظاهر العرب بالتراجع عن الأسوار ، فخرج روم حمص من المدينة لقتالهم ... وبدأ الروم يهاجمون العرب ،والعرب يستدرجونهم ... ثم انقض جيش أبي عبيدة على القوة الرومية المستدرجة وهزمها.
عندها قرر الروم تسليم مدينتهم بالصلح ... فقبل العرب بذلك ومن شروط المعاهدة: " أن يبقى روم حمص بها وأن يترك المسلمون أموال الروم وبنيانهم ، لا ينزلونه عليهم ، فتركوه لهم" ... وقاسموهم على أنصاف دورهم وبيوتهم وأرزاقهم....
تحضير لرد امبراطوري :
عندئذ ، ولما رأى الامبراطور خطورة الوضع ، ورأى أن مدناً من مدن الروم الأساسية أصبحت في حوزة العرب ، دمشق وحمص وبعلبك وبصرى ودرعا وحوران وغزة وجنوب فلسطين والأردن وصور ... وكل القرى المجاورة لها ...
وبعدما رأى أبناء الروم مشردين لاجئين من بلدة إلى أخرى خوفاً من العرب الغزاة... وبعدما رأى أن المدن التي بقي الروم فيها أحراراً ما زالت أيضاً كثيرة ، كحلب وأنطاكية في الشمال، وبيروت وطرابلس واللاذقية وكل السواحل، وقيسرية والقدس في الجنوب ...
وبعدما رأى أبناء الروم مشردين لاجئين من بلدة إلى أخرى خوفاً من العرب الغزاة...
قرر توجيه جيش رومي عظيم جمع فيه كل جنسيات الامبراطورية من الشرق والقسطنطينية وأثينا وأرمينيا ومن المرتزقة ... وقدر عدده بمئتي ألف جندي ... وبدأوا يتوجهون لتحرير المدن المحتلة....
فلما علم العرب بذلك دب الرعب في قلوبهم فبدأوا ينسحبون من بعض المدن التي احتلوها ، فأخلوا حمص وبدأوا ينسحبون من دمشق ... (يتبع

 
الحلقة العاشرة: احتلال العرب للمشرق : معركة اليرموك التاريخية الأليمة( 22 آب 636)... تاريخ لن ينساه روم المشرق إلى الأبد.....


بعدما وجد الامبراطور هيراكليوس أن الكثير من الروم السوريين أصبحوا لاجئين من مكان إلى مكان بسبب هجمات العرب عليهم ، وبعدما رأى الكثير من مدن الروم المشرقية الكبرى تسقط بيد العرب ... قرر إرسال قوة امبراطورية ضخمة ، جمعها من جميع أمم الامبراطورية المترامية الأطراف آنذاك.

وجمع ما جمع من المرتزقة، وقد ضمت القوة كلاً من الأرمن وعلى رأسهم رئيسهم "باهان"، والعرب اليعاقبة بقيادة أميرهم جبلة بن الأيهم الغساني ، والروس ( الوثنيون آنذاك ) ... وكان على رأس الجيش ثيوذوروس شقيق الملك هيراكليوس ومعه الجيش الرومي الأصيل وهو الأكثرية في الوسط، وقد كان مشكلاً من وحدات أوروبية ورومية مشرقية . ويقدر عدد الجنود الروم الآتين لتحرير سوريا من المحتل العربي بحوالي ال 200 ألف جندي.

أما العرب فلما علموا بذلك فقد دب الرعب في قلوبهم وبدأوا ينسحبون من المدن التي احتلوها، فأخلوا حمص وانسحبوا من دمشق.

تجمع العرب بخيامهم قرب نهر اليرموك أحد روافد الأردن الشرقية وربضت جيوش الروم على الجهة المقابلة.

1- الروم بصلبانهم وسيوفهم ، والعرب بسيوفهم وجهاً لوجه على ضفاف اليرموك: 16 آب 636:

أقبل الروم إلى المعركة ولهم دويٌّ كدوي الرعد وأثاروا غبارًا شديدًا، وجاءوا بأعداد ضخمة رافعين الصلبان وواضعين على مقدمتهم الكهنة والرهبان الذين بدأوا يحمسون الجنود قائلين : إن هذه معركة بين الإسلام والمسيحية ".

وقد قام 80 ألفاً من جيوش الروم بربط أرجلهم بالسلاسل الحديدية رمزاً للبطولة والشجاعة ، ورمزاً لأنهم قرروا أن "يموتوا ولا يفروا من المعركة".

ومن جهة المسلمين أشار خالد بن الوليد إلى دعاة المسلمين أن ينطلقوا ويحَمِّسوا الناس؛ لأنه شعر أن بعض الأفراد قد أخافتهم كثرة حشود الروم، فانطلق الدعاة يحمسون الناس ويرغبونهم في الجنة.

2- فوضى في صفوف الجيش الرومي ، وخيانة الغساسنة :

قام أحد قادة الجيش الرومي يدعى "جاورجيوس" بالخيانة، فاعتنق الإسلام وراح يقاتل إلى جانبهم ضد بني قومه.

ثم امتنع العرب الغساسنة عن القتال إلى جانب الروم ، وانسحبوا من الميدان في الساعات الأخيرة مع أميرهم جبلة وهو على مذهب اليعاقبة ، وهي البدعة المونوفيسية التي كانت على خلاف شديد مع الروم الأرثوذكس.

اغتنم خالد الفرصة فالتف على الروم من جهة الشرق فقطع خط اتصالهم بدمشق. كما احتل الجسر فوق وادي الرقاد فحاصرهم من الغرب والشرق.

وبقي الروم في المعركة ، وبينهم الكثير من الرجال غير المتمرسين بالقتال الذين انضموا إلى الجيش ليدافعوا عن بلادهم وهويتها المسيحية الرومية.

3- القتال يستمر 6 أيام ،ينتصر العرب فيها انتصاراً كاسحاً :

ونشب القتال بعنف في اليوم الأول ، وزحف الروم بأعدادهم الكثيرة فردهم المسلمون ... وفي هذا اليوم كان الجرحى يعدون بالآلاف ، من كثرة السهام ، وصوب الروم سهامهم على فرسان المسلمين واعورّ من المسلمين سبعمائة فارس (أي أصيبوا بعيونهم) ، فسمي ذلك اليوم يوم التعوير...

وفي اليوم الثاني وقف عكرمة أحد قادة العرب وقال: من يبايعني على الموت ؟ فبايعه أربعمائة من الرجال ، فقاتلوا حتى أصيبوا جميعاً بجراحات ، ودامت المعركة يوماً ونصف .

وفي اليوم السادس من المعركة:

22 آب سنة 636 انقض خالد على الروم مهاجماً ، فاقتحم صفوف الجيش الرومي ، فقتل من قتل وشرد من شرد.

وكان الجيش الرومي قد انحصر بشكل لم يعد يستطيع فيه الجنود استخدام سلاحهم بشكل طبيعي، ولذلك فقد هزموا بسرعة محاولين إيجاد طريق للهرب عبر الوادي وبدون نجاح... فبعضهم وقع في الوادي ، بينما استشهد الآخرون أو أسروا لتنتهي بذلك معركة اليرموك.

وانتهت المعركة بمقتل ثلاثة الآف من المسلمين ، وحوالي 120 ألفاً من الروم .

ثم تابع خالد بن الوليد وفريقه فلول باهان المتجهة إلى دمشق واشتبك معهم ، فقتل باهان على يد أحد المقاتلين المسلمين الذي قطع رأسه وصرخ: " والله قد قتلت ماهان" .

بعد هذه المعركة العظيمة فتح خالد مدينة دمشق من جديد.

4- هرقل امبراطور الروم يبكي على فقدان سورية، ويهرّب الصليب وذخائر القديسين:

وعندما وصلت أخبار الهزيمة المأساوية إلى هرقل... هرب من حمص إلى أنطاكية ... وهناك في مدينة أنطاكية، أصبح محطماً حزيناً ...

فكر بالقيام بهجمة أخرى لتحرير المشرق ولكنه لم يعد بعد يملك الرجال ولا المال الكافي ليدافع عن مناطقه .

ثم ذهب إلى كاتدرائية أنطاكية طالباً الشفاعة. وقام باستدعاء مستشاريه في الكاتدرائية للتمعن في أسباب الهزيمة... فقال الجميع بأن الخسارة هي قرار من الرب ونتيجة لذنوب الشعب، وهو من ضمنهم، وقد قبل بهذا التفسير.

وبعدها انتقل هرقل على متن سفينة إلى القسطنطينية ليلاً، وقيل بأنه ودع المشرق عندما ابحرت سفينته، وقال: "الوداع يا سوريا، يا بلادي الجميلة، أنت درة العدو الكافر الآن، سلام عليك يا سورية سلاماً لا لقاء بعده ، اي ارضٍ جميلة ستكونين لهم"...

هجر هرقل سوريا آخذاً معه الصليب المقدس مع آثار أخرى من اجل الحفاظ عليها من العرب الغزاة، والتي كانت محفوظة جميعها في مدينة القدس، ونقلها إلى القسطنطينية.... (يتبع


الحلقة 11 : احتلال العرب للمشرق :(638) القدس الأرثوذكسية تقاوم العرب لأشهر طويلة:

العرب على أبواب مدينة القدس الرومية ... والروم في الداخل يستعدون للمقاومة:

بعد معركة اليرموك وهزيمة جيش الروم، سيطر العرب على دمشق وحمص والمدن السورية مجدداً . وصاروا يحتلون المدينة بعد الأخرى بدون مقاومة تذكر. إذ اضطر روم المدن إلى مصالحة العرب المحتلين بشرط البقاء في أرضهم مع دفع الجزية للمسلمين.

وبعدما احتل العرب غزة بالقوة، صالحوا روم نابلس وسبسطية ، ثم احتلوا اللد ويبنى وعمواس وبيت جبرين... ويافا ورفح... وبقيت القدس وقيصرية صامدتين تقاومان .

لذلك فإن العرب ضربوا الحصار المشدد على القدس. فما كان من روم القدس إلا أن وقفوا على الأسوار بأسلحتهم الكثيرة تحسباً للهجوم العربي ... ويقول العرب إنهم لم يروا مثل شجاعة روم القدس ولا بكثرة سلاحهم.

ذهب يزيد بن أبي سفيان إلى سور المدينة ، حاملاً سلاحه ، وقد أخذ معه ترجمانا يبلغه عنهم ما يقولون. فقال للترجمان:" قل لهم إن أمير العرب يسألكم ما رأيكم إن اعتنقتم الإسلام؟" فقال الترجمان بلغتهم (اليونانية) كذا وكذا ..." إن الأمير العربي يدعوكم إلى الإسلام أو الجزية أو السيف. "
فرد الروم بسخرية : " لن نرجع عن ديننا ، وإن قتلنا أهون علينا من ذلك، فبلغ الترجمان ذلك ليزيد" ...
كانت القدس مدينة حصينة ومنيعة, ويصف الواقدي اسوار المدينة بانها كانت محصنة بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة ، بالمجانيق والطوارق والسيوف والدرق والجواشن والزرد الفاخر...
, بدأ القتال بعد ثلاثة ايام من الحصار, حيث تقدم المسلمون نحو اسوار المدينة فامطرهم شعبها الرومي بوابل من السهام والنبال ، وكان القتال يمتد من الصباح الى غروب الشمس، ويزداد شدة يوماً بعد يوم.
واستمر الحصار أربعة أشهر, وما من يوم إلا وجرى فيه قتال شديد والمسلمون متضايقون من البرد والثلج والمطر, وقد تعجب العرب من بسالة وشحاعة روم القدس وكيف أنهم يقاتلون العرب بفرح ، ولا يأبهون لهم ... وكان الروم لا يردون على رسائل العرب الداعية إلى اعتناق الإسلام احتقاراً ,,, فيذهبون إلى الكنائس ثم يتجولون في الأسواق ويتدربون للدفاع عن مدينتهم. .
إمدادات تصل إلى العرب ، ولا تصل إلى الروم بسبب الحصار:
بعدما وصلت إمدادات ضخمة للعرب ووجد روم المدينة أن الملك هيراكليوس لم يستطع إرسال شيء يذكر، اجتمعوا في دار البطريركية في القدس وقرروا مفاوضة العرب.
.ذهب وفد من الروم بسيوفهم وصلبانهم ورهبانهم إلى العرب المحاصرين، ومعهم تراجمتهم. فقال البطريرك صفرونيوس لأبي عبيدة : ما الذي تريدونه منا؟
قال أبو عبيدة: واحدة من ثلاث :
أولا: أن تقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فإن أجبتم إلى هذه الكلمة كان لكم ما لنا وعليكم ما علينا... ما رأيكم؟ فقال البطريرك : إنها كلمة عظيمة.. وهذا شرط لن نوافقكم عليه.
فما الشرط الثاني؟
قال أبو عبيدة:" تصالحوننا عن بلدكم أو تؤدون الجزية عن يد وأنتم صاغرون كما أداها غيركم من أهل الشام". فقال البطريرك: هذا شرط أعظم علينا من الأول ولم نكن يوماً من الذين يقبلون بالذل ولن نكون أبداً .
فقال أبو عبيدة: إذن سوف نقاتلكم حتى ننتصر عليكم ونستعبد أولادكم ونساءكم ونقتل منكم من خالف كلمة التوحيد وعكف على كلمة الكفر.
فقال له البطريرك :" لن نسلم مدينتنا حتى نهلك عن آخرنا... وكيف نسلمها وقد استعددنا بآلات الحرب والحصار، وفي مدينتنا العدة الحسنة والرجال الأشداء ؟
نحن لسنا كمن لاقيتم من أهل المدن الذين أذعنوا لكم بالجزية."
فقال أبو عبيدة: بل سندخلها ونطهر مدينة الأنبياء منكم ومن كفركم. فقال البطريرك : إنكم لو أقمتم علينا عشرين سنة ما فتحتموها أبدا... "
وانتهت المفاوضات إلى إصرار البطريرك على أن روم المدينة لن يسلموها إلا إلى خليفة المسلمين نفسه القابع آنذاك في المدينة المنورة من السعودية، عمر بن الخطاب.
عند ذلك كتب أبو عبيدة إلى خليفة المسلمين كتابا جاء فيه:..."اعلم يا أمير المؤمنين أنا منازلون لأهل مدينة القدس نقاتلهم أربعة أشهر...كل يوم نقاتلهم ويقاتلوننا... وقد لقي المسلمون مشقة عظيمة من البرد والأمطار، إلا أنهم صابرون على ذلك ويرجون الله ربهم... ثم أشرف علينا بطريركهم الذي يعظمونه وقال: إنهم يجدون في كتبهم أنه لا يفتح بلدهم إلا رجل يعرفون صفته،وهو عمر " "
وقد رفض البطريرك أن يسلم المدينة إلا للخليفة عمر بنفسه.
العرب يرسلون خليفتهم للمصالحة مع روم القدس:
اجتمع عمر بن الخطاب في المدينة المنورة (السعودية اليوم) مع قادة المسلمين ... فقال له عثمان بن عفان :" لا تذهب إليهم يا أمير المؤمنين، ليكون ذلك أحقر لهم وأرغم لأنوفهم"... لكن علي بن أبي طالب أشار إليه بالذهاب إليهم ومصالحتهم ، وأقنع الخليفة بأن وصوله إليهم سيشجع العرب المسلمين الذين بدأوا ييأسون من طول الحصار.
وهكذا كان ، فأتى الخليفة عمر بنفسه إلى القدس ، واستقبله البطريرك صفرونيوس من المدينة ...
وبتاريخ 8-1-638 ، عقد اجتماع بين أهل القدس أي الروم الناطقين بالييونانية آنذاك ، والعرب من المسلمين بحضور التراجمة ... لأن العرب ما كانوا يفهمون اللغة الرومية( اليونانية) ولا الروم كانوا يفهمون اللغة العربية.
وطلب الروم من العرب بموجب المعاهدة أن يطردوا اليهود من القدس ... وهكذا كان ...
فتصالح الفريقان على أن من أراد من الروم أن يلتحق بالملك في القسطنطينية يستطيع ذلك، ومن أراد البقاء في أرضه عليه أن يدفع الجزية والخراج للعرب المسلمين.
وبسقوط القدس سقطت كل فلسطين بأيدي العرب ... وبقيت قيسارية على الساحل الفلسطيني تقاوم العرب 7 سنوات ... وسقطت أخيراً ...
بعد ذلك ... بقيت بعض المدن الساحلية تقاوم ، مثل طرابلس واللاذقية...
أما "أنطاكية" عاصمة المشرق العظيمة ... فكانت تنتظر أحداثاً أخرى ... (يتبع

الحلقة 12 : احتلال العرب للمشرق :

سنة 637: أنطاكية العظمى عاصمة الروم في المشرق... تحت رحمة العرب ... وحلب مدينة الروم الحصينة تسقط بأيديهم:

كانت أنطاكية عاصمة المشرق كله. وكان سكانها يعدون بمئات الآلاف من الروم الناطقين باليونانية. وكانت تعتبر ثالث أعظم مدينة في الامبراطورية الرومية بعد القسطنطينية والاسكندرية.

بعد معركة اليرموك سنة 636 وسقوط المدن الكبرى بيد العرب ... بقي شمال سوريا حصيناً يحكمه الروم ... أي حلب وأنطاكية وجوارهما ...
اعتنق أحد مسؤولي الروم في حمص المدعو" يوقنا " الإسلام.... وبقي الأمر سراً .. فلم يفاتح الامبراطور الرومي بالأمر...
- الراعي عدو الغنم:
ثم ذهب لمقابلة قائد المسلمين آنذاك " أبي عبيدة" وأعلن إسلامه بين يديه قائلاً : "أنا أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" ... وانتدب نفسه للدخول إلى أنطاكية ليسهل للمسلمين احتلالها بالخدعة، فرحب أبو عبيدة بالفكرة وانطلق يوقنا لتنفيذ هدفه...
دخل يوقنا أنطاكية وكان هرقل امبراطور الروم فيها، وكانت الأخبار قد وصلت لهرقل أن يوقنا قد أسلم. فخدعه يوقنا وأفهمه أنه لم يسلم، وإنما تظاهر بالإسلام ليخدع المسلمين .
فاقتنع هرقل بالأمر، وعين يوقنا الخائن قائدًا لحامية أنطاكية ليدافع عن الروم فيها , فقام يوقنا بتحصين المدينة وإعداد المؤن اللازمة للشتاء.
وفي هذا الوقت كان الروم قد انهزموا هزائم كثيرة ...
فبعد دمشق وحمص ، خضع روم حماه للمسلمين.
وبدأت جيوش العرب تتوجه إلى حلب.

حلب : الروم يخضعون للعرب بعد مواجهة:

حاصر العرب حلب ، وبدأت المناوشات على أطراف المدينة بين جنود الروم وجنود العرب.

ويصف أحد مجاهدي المسلمين آنذاك ليلة من ليالي المعارك فيقول: " كنا في تلك الليلة ... آمنين بسبب كثرة عددنا ... غير آبهين لعدونا ... فلم ينتبه حراسنا ... وفجأة لم نشعر إلا وجماعة من الروم قد هجموا علينا وهم ينادون بلغتهم (اليونانية) ... فلا نعلم ما يقولون، ووضعوا السيف فينا"..."
وبعدما اشتد القتال ، هزم الروم وانتصر العرب ، فأعلن قائد الفرقة الرومية إسلامه.
إزاء ذلك، اجتمع سكان حلب ، وقرروا أن يصالحوا العرب المسلمين. فأتى وفد من الروم (أي سكان المدينة آنذاك) إلى أبي عبيدة ، وقد تألف الوفد الرومي من 30 رجلاً ومعهم ترجمان لكي يفهموا على العرب ما يقولون. لأن لغة الروم السوريين كانت الرومية(اليونانية) أما لغة العرب المسلمين فكانت العربية التي ما كان الروم يفهمونها.
فقال الترجمان لأبي عبيدة عن أهل المدينة: " نحن سكان حلب من تجارها ورؤسائها وعامة شعبها، وقد جئنا إليكم أيها العرب نطلب الصلح". فوافق أبو عبيدة ... ودخلت جيوشه مدينة حلب وبقي الروم بداخلها يدفعون للعرب الجزية والخراج حتى يسمح لهم المسلمون العرب بالبقاء في أرضهم. أما إذا أسلموا فكانوا يعفون من دفع الجزية.
مصير أنطاكية العظمى:
أما أنطاكية: فكان يوقنا الخائن مسؤولاً عن العسكر الذي يفترض به أن يحمي المدينة ...
و قد شدد أبو عبيدة وخالد الحصار على أنطاكية، وأخبرهم يوقنا الخائن بمواضع الضعف...
واتفق يوقنا مع بعض حراس المدينة فدعاهم للإسلام...و تآمر معهم على أن يفتح المدينة للمسلمين... وأرسل لأبي عبيدة يخبره بالأمر، وحددا اليوم الذي يهجم فيه العرب على المدينة.
وبالفعل استطاع المسلمون دخول المدينة في 5 شعبان سنة 15هـ ،(سنة 637)، وفرح المسلمون بهذا الفتح فرحًا شديدًا وأرسل لخليفة المسلمين عمر بن الخطاب في المدينة المنورة ( السعودية اليوم) يبشره بهزيمة الروم في أكبر عاصمة لهم، فخطب عمر بالناس على منبر نبي المسلمين محمد وبشرهم بالفتح... وقابل العرب الخبر بالاحتفالات العارمة والهتافات ...
أما الروم من سكان الشام ألصليين، فكانوا خائفين على المصير ، لا يعرفون ماذا سيحصل بعد أن كانوا حكام هذه الأرض ...
ودخل العرب إنطاكية العظيمة ... وبدأوا ينهبون بيوتها وأهلها المعروفين بأنهم كانوا أغنى أغنياء الشرق ...
لكن هرقل بدأ يعد العدة لتحريرها من جديد... (يتبع...) ...

الحلقة 13: احتلال العرب للمشرق : سنة 638 ، إنطاكية مدينة الله العظمى ... فشل محاولة التحرير:


تحرير أنطاكية :

قضى الامبراطور هرقل سنة، بعيداً عن ميدان القتال. وكانت معظم مدن المشرق الرومية قد أصبحت تحت حكم العرب ... وبقيت مدن الساحل بمعظمها حرة يحكمها الروم ، كاللاذقية وطرطوس وبانياس وطرابلس ...

بدأ هيراكليوس الامبراطور يعد العدة لتحرير إنطاكية من أيدي العرب بعدما سقطت سنة 637 بالخدعة.
فجند جيشاً من الروم ، وضم إليه فرقاً كبيرة من المرتزقة العرب النصارى الساكنين في منطقة الجزيرة على الفرات بين العراق والشام.
وكان هؤلاء يعتنقون البدع النسطورية ويكرهون الأرثوذكسيين الروم .
لكنهم طلبوا مساعدة من هرقل ضد العرب المسلمين. فلبى الروم النداء على الفور... نداء إخوتهم نصارى العرب ولو كانوا من الهراطقة .
وفي السنة 638 أبحرت جيوش الروم من الاسكندرية بقيادة قسطنطين ابن هيراكليوس. للانضمام إلى الجيش الرومي المشرقي وتحرير إنطاكية العظمى.
وألقت الحملة مرساها في اللاذقية ودخلت أنطاكية وحررتها ، فاستقبلها روم المدينة بصيحات الفرح والتهليل.
أما العرب المسلمون ، فلما رأوا أنه سيتم حصارهم من البر والبحر ، وهم حديثو العهد ببلاد الشام ، وأعدادهم قليلة جداً ، طلبوا النجدات من الحجاز.
فتوجهت حملة عسكرية ضخمة من العرب المسلمين بقيادة الخليفة نفسه إلى الشام.
خيانة العرب للروم ، وسقوط أنطاكية نهائياً :
مع بداية المعركة، تخلت هذه القبائل العربية من نصارى البدع عن الروم ، وعادت راجعة إلى مضاربها وخيمها. وتركوا الجيش الرومي وحيداً في المعركة. ثم اعتنقت هذه القبائل الإسلام فيما بعد.
قاتل الروم ببسالة وشجاعة نادرتين، لكن المقاومة انهارت ، وانسجب الجيش بحراً إلى الاسكندرية والقسطنطينية.
أما سكان المدينة العظمى، فقد اشتروا الحياة بمبالغ ضخمة من المال ... راجين المسلمين أن يسمحوا لهم بالبقاء في مدينتهم العظيمة... والبعض الآخر حمل ماله وعياله وهرب مع جيش الروم إلى القسطنطينية وغيرها من الجزر ...
وبعدما احتل العرب المشرق نهائياً ، بقيت بعض المدن حرة يعيش فيها الروم أسياداً غير آبهين لشروط العرب ... وأهمها مدينة طرابلس والكورة المحيطة بها ، التي كان الروم فيها مشهورين بشدتهم في القتال ... وكانت هذه المدينة قد بقيت على تواصل مع القسطنطينية عدة سنوات بعد سقوط الداخل بيد العرب ... فقرر العرب مهاجمتها بعد تردد طويل ... (يتبع)...



الحلقة 14 : طرابلس والكورة... قلعة روم الساحل السوري تسقط بيد العرب بعد قتال لسنوات...

في النظام الرومي ، كانت كل مدينة كبرى يجاورها عدد من البلدات التابعة لها ، تسمى "خورا" باللغة اليونانية ... فقرب القسطنطينية "خورا" ، وقرب اللاذقية خورا ، وقرب طرابلس أيضاً خورا، حافظت على تسميتها حتى اليوم فأصبحت "كورة" ... وهي القضاء اللبناني المسكون اليوم بالروم الأرثوذكسيين قرب طرابلس.

بعدما احتل العرب كل المدن الرومية الكبرى في الشرق ، لم يبق أمامهم سوى طرابلس والكورة . فبعدما سقطت أنطاكية سنة 638 ، وسقطت كل المدن الكبرى القدس ودمشق وحلب وحمص وحماه وبعلبك... وبعدما سقطت كل المدن الساحلية أيضاً بيد العرب ، اللاذقية وطرطوس وبانياس ، وبيروت وصيدا وصور ...

- معركة أولى: حوالي السنة 636 :
هاجمت قوة من المسلمين الإرهابيين مؤلفة من 500 رجل جموع الروم وهم في سوق كبيرة لهم عند دير بالقرب من حصن أبي القدس في منطقة البداوي اليوم.
وكان الروم من الأطفال والنساء والرهبان والرجال يعدون بحوالي 20 ألفاً فأصابهم الذعر بعدما رأوا مجزرة تنفذ بحقهم... فهرعوا إلى أسلحتهم الفردية بما تيسر ،بين صرخات الأطفال وولولة النساء وصيحات الرجال... وقاتلوا ... وكادت الغلبة تكون لهم لولا مجيء خالد بن الوليد بجيوش كثيرة، فطاردوا الروم وهزموهم . وقتل في هذه المعركة الآلاف من الروم ، وبينهم بطريق المدينة. لكن المدينة بقيت بأيدي الروم..
- بسبب مقاومة روم طرابلس ، حرر الروم بيروت وجبيل وصيدا مجدداً :
بقيت طرابلس والكورة صامدة تقاوم العرب حتى العام 645. وكان سكانها الروم يتصلون بالامبراطور البيزنطي ويحصلون منه على الإمدادات ... وبسببهم استطاع الروم تحرير بيروت وصيدا وبعض المدن الساحلية مجدداً لسنتين كاملتين. لكن هذه الأخيرة عادت فسقطت تحت الاحتلال العربي وبقيت طرابلس تقاوم ، ولا يتجرأ أحد من العرب على مهاجمتها.
الحصار : سنة 645:
بعد مقتل الخليفة عمر تسلم عثمان مقاليد الخلافة. وسلم ولاية الشام لمعاوية بن أبي سفيان. فقرر معاوية حصار طرابلس والانتهاء منها. فأرسل القائد سفيان بن مجيب الأزدي لإخضاع الروم في طرابلس.
وكان العرب قد أسقطوا عكار ( عرقة- أركاذيوبوليس) شمال طرابلس ، وكل المدن الواقعة جنوبيها جبيل وبيروت وصيدا وصور... فأصبحت معزولة ليس أمامها سوى البحر...
وكان هناك عدة حصون رومية حصينة قرب طرابلس ، كحصن "أنفه " وحصن "القالمون" وحصن أبي العدس وأرطوسية.
نزل سفيان بجيوشه في مرج كان يعرف بمرج السلسلة عند سفح جبل تربل . وبدأ من هناك حربه ضد روم المدينة.
أما سكان المدينة ، وهم جميعاً من الروم ما عدا قلة قليلة من اليهود، فقد اعتصموا بحصن خارج المدينة عند كنيسة هناك.
فقام سفيان بعدة هجمات يومية على حصون طرابلس والكورة وكان الروم يصدونه بشراسة. وكل مرة كان يعود خائباً ... أرسل سفيان الكثير من الرسائل إلى سكان المدينة بواسطة تراجمة، لأن الروم ما كانوا يعرفون إلا لغتهم الرومية(اليونانية) وما كانوا يفهمون اللغة العربية... لكنهم كانوا يعاندون ويطردون الوسطاء ويقولون : لن نسلم مدينتنا للبربر أبداً" ...
- يأس العرب وتغيير الخطة:
طال الحصار والروم يقاومون مقاومة الأبطال ويقتلون من العرب يومياً عشرات المهاجمين.
فكتب سفيان إلى معاوية يقول له إن الحصار يطول ، والروم في طرابلس يحصلون على الإمدادات من الجزر الرومية ، ومن القسطنطينية عن طريق البحر.
فأتت إمدادات عربية ضخمة . وبنى العرب حصناً كبيراً تحصنوا فيه فوق تلة مطلة على المدينة تقع اليوم في منطقة أبو سمرا. وحاصروا الروم من البر والبحر.
ضيق سفيان الخناق على طرابلس حتى أجبر أهلها على الالتجاء إلى الحصن الغربي عند رأس المينا القريب من الجزر.
أوضاع اقتصادية مريعة:
تحت وطأة الحصار ، عانى روم طرابلس من الجوع... من البرد ... من قلة الذخيرة... لكنهم لم يقبلوا الخضوع وتسليم مدينتهم للغريب.
وبعدما اشتد الجوع ،راحوا يفكرون جدياً بالنجاة من قبضة سفيان بعد أن يئسوا من طول الحصار الذي امتد أشهراً ، وقد نفذت منهم المؤن والأقوات. ولم يستطيعوا الخروج من المدينة للتصدي لقوات سفيان. فكتبوا إلى امبراطور الروم قسطانس الثاني ، يسألونه أن يمدهم بالعتاد ليقاتلوا العرب ويحفظوا مدينتهم رومية أرثوذكسية.... لكن الامبراطور لم يستطع إرسال جيش، فأرسل للروم مراكب مدنية تسللت ليلاً إلى ميناء المدينة .
وحمل الروم أمتعتهم وأثاثهم وأغراضهم وأموالهم وودعوا مدينتهم وأخلوا المدينة بكبيرهم وصغيرهم ، وأبحروا تحت جنح الظلام إلى القسطنطينية .
- الروم يسلمون طرابلس للعرب ... كومة من الرماد:
وأشعل الروم النار في المدينة من كل جوانبها ... غضباً من أن يروا مدينتهم العظيمة بأيدي العرب .
وفي اليوم التالي ، خرج سفيان لشن هجومه اليومي فتفاجأ أن الحصون خالية، فدخلها العرب. ووجدوا يهودياً كان قد احتمى من النار في سرداب ، فأخرجوه واستجوبوه ، فأخبرهم كيف هرب الروم من المدينة في المراكب.
أما روم الكورة ، فبعدما قاتلوا عن أهلهم وعرضهم وهوية مدينتهم (طرابلس) الرومية ... خاصة في بلدتي أنفه ووجه الحجر (قرب حامات) وبعد سقوط شهداء بالمئات ... فمنهم من هرب إلى القسطنطينية، ومنهم من بقي في منطقته ، يدفع الجزية للمسلمين. ... وهذه المنطقة ما زالت محافظة على طابعها الرومي الأرثوذكسي حتى اليوم. كون القرى التي يعيشون فيها لم تدخلها الجيوش العربية بالقوة نفسها التي دخلت مدينة طرابلس...
طرابلس كانت آخر مدينة في الشام احتلها العرب قبل احتلال قيصرية فلسطين بسنة واحدة... وبذلك يكون العرب قد سيطروا على المشرق نهائياً ... وبدأت عملية تعريب الشعب الرومي منذ ذلك الحين .. ومنع الروم من استعمال لغتهم اليونانية أحياناً كثيرة، خوفاً من أن يبقى روم الشرق على تواصل مع روم القسطنطينية ويحرروا بلادهم من جديد


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.